سبّ الله –تعالى وتقدس- وسبّ رسوله –صلى الله عليه وسلم- من أكبر أنواع الكفر، بل هو أعظم من مجرد الردة عن الإسلام، ومن فعل ذلك وجب قتله، وهذا مذهب عامة أهل العلم، "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً" [الأحزاب:57] وقد قال الإمام إسحاق بن راهوية –رحمه الله-: "أجمع المسلمون على أن من سبّ الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم-، أو دفع شيئاً مما أنزل الله –عز وجل-، أو قتل نبياً من أنبياء الله –عز وجل- أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله".
وسبّ الله أو سبّ الرسول –صلى الله عليه وسلم- كفر ظاهر؛ لجريان السب على لسان صاحبه، وكفر باطن؛ لأنه يدل على استهانته بالله –عز وجل- وبرسوله –صلى الله عليه وسلم-، وانعدام خشيته من الله -عز وجل- وعدم تعظيم الله من قلبه، وذهاب توقير النبي –صلى الله عليه وسلم- من نفسه.
أما القول بأن السّاب لا يكفر إلا إذا استحل ذلك، ومع انتفاء الموانع من إكراه، وتأول، وخطأ، وحصول شرط العلم استدلالاً لما وقع لموسى –عليه السلام- لما ألقى الألواح فهذا القول يتضمن عدة أمور، الجواب عنها بعدة أوجه:
الأول: القول بأن السّاب لله –تعالى- ولرسوله –صلى الله عليه وسلم- لا يكفر إلا إذا استحل ذلك، هذا اشتراط غير صحيح، بل إن أقوال أهل العلم تنص على أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر بدون تقييد ذلك بالاستحلال، والاستحلال وصف آخر يوجب الكفر، فلو استحل السّب ولم يقله كفر، والله –تعالى- وصف المستهترين بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالكفر، فقال: "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين" [التوبة:64-65-66].
وعندما جاء الذين نزلت فيهم هذه الآية يعتذرون إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يعذرهم، وكان يردد عليهم هذه الآية، ولو كان الاستحلال يصح أن يرفع به حكم الكفر عنهم لسألهم النبي –صلى الله عليه وسلم- :هل كنتم تستحلون هذا الاستهزاء أم لا؟
قال القاضي عياض –رحمه الله-: "لا خلاف أن ساب الله –تعالى- من المسلمين كافر حلال الدم".
وقال ابن عبد البر –رحمه الله-: "ومن شتم الله –تبارك وتعالى-، أو شتم رسوله –صلى الله عليه وسلم-، أو شتم نبياً من أنبياء الله -صلوات الله عليهم- قُتِل إذا كان مظهراً للإسلام بلا استتابة".
الثاني: اشتراط وجود شروط الكفر وانتفاء موانعه فيمن سبّ الله –تعالى-، أو سب الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وذكر السائل من الشروط العلم ومن الموانع الإكراه، والتأول، والخطأ، فأما (الإكراه) فلا شك أنه مانع من موانع إطلاق الكفر على السّاب، وذلك لقول الله –تعالى-: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" (النحل106).
وفي مستدرك الحاكم وغيره عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه، قال: "أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي –صلى الله عليه وسلم- وذكر آلهتم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ما وراءك؟ قال: شرٌ يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان قال: "إن عادوا فعد" (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
فمن أكره على سبّ الله أو سبّ رسوله فهو معذور وليس بكافر.
الثالث: أما اشتراط العلم، فيراد بالعلم أمران:
1-أن يعلم أن هذا اللفظ فيه سبّ لله أو لرسوله.
2-أن يعلم أن السّب لله ولرسوله كفر وخروج من الملة.
فإن ادعى أنه لا يعلم أن هذا اللفظ فيه سبّ لله ورسوله فينظر في اللفظ الذي تلفظ به هل هو مما يعده الناس شتماً، أو سباً، أو تنقصاً، فإن كان كذلك فهو كافر بذلك؛ وإنما قيل هذا؛ لأن الكلمة الواحدة تكون في حال سب وفي حال ليست بسب، فعلم أن هذا يختلف باختلاف الأقوال والأحوال، إذا لم يأت للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى عرف الناس، هذا ما ذكر شيخ الإسلام في (الصارم المسلول).
وإن ادعى أنه لا يعلم أن سبّ الله –تعالى- والرسول –صلى الله عليه وسلم- كفر مخرج من الملة فينظر في المكان الذي هو فيه، وحالة الشخص من التمكن من العلم وعدمه.
فإن كان الساب مسلماً ناشئاً في بلاد الإسلام فلا يعذر؛ لأن مسألة تعظيم الله وتوقير رسوله –صلى الله عليه وسلم- من المسائل العظيمة وليست من المسائل الخفية، والناشئ في بلاد المسلمين متمكن من العلم بهذه المسألة التي هي من الأصول الظاهرة، فلا عذر له بذلك، وهو كافر بهذا السب، سواء كان هازلاً أو لاعباً أو كاتباً للرواية أو الشعر أو غير ذلك.
الرابع: أما الاستدلال بقصة إلقاء موسى –عليه السلام- للألواح، فهو استدلال غير صحيح، وذلك لأمور:
1-أن السب لله –تعالى- ولرسوله –صلى الله عليه وسلم- من باب، وفعل موسى من باب آخر.
2-أن فعل موسى –عليه السلام- لا يتضمن سخرية ولا استهانة ولا استنقاصاً لله –تعالى-، بل الذي حمله على إلقاء الألواح هو شدة تعظيمه لله -تعالى-، وشدة عنايته بتوحيد الله، لما رأى قومه قد أشركوا وعبدوا العجل.
3-أن موسى –عليه السلام- كان في حالة غضب شديد وحزن بسبب عبادة قومه للعجل، وبقاء هارون –عليه السلام- عندهم وعدم لحاقه بموسى –عليه السلام-.
أما السّاب لله –تعالى- ولرسوله –صلى الله عليه وسلم- فيغلب على حاله السخرية والاستهزاء واللعب أو العمد والقصد، فإن كان في حالة من الغضب الشديد بحيث لا يدري ما يقول، وتكلم بكلام لا يستحضره ولا يعرفه فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم على صاحبه بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد. نعوذ بالله من موجبات غضبه، ونسأله أن يختم لنا بالإيمان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.