محمد زين الدين Administrator
عدد الرسائل : 556 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 29/11/2007
| موضوع: إن مثل عيسي عند الله الإثنين يونيو 09, 2008 7:41 pm | |
|
- مثل عيسى عند الله تبارك وتعالى
- قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ﴾( آل عمران : 59-60 )
- أولاً- ذكر الله تبارك وتعالى هاتين الآيتين الكريمتين من سورة آل عمران في ضمن الآيات التي أنزلها في شأن النصارى ، لمَّا قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم وفدٌ من نصارى نجران ، وناظروه في المسيح- عليه السلام- وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل ، فبين فيه قول الحق الذي اختلفت فيه اليهود ، والنصارى ؛ وذلك قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾( مريم : 34 ) .
- أما اليهود فقد ارتضوا الجريمة مركبًا ، فقتلوا أنفسهم ، وقتلوا الحق معهم ، وقالوا في المسيح : إنه ولِدَ- كما يولَد الناس- من ذكر وأنثى ، وإن ميلاده كان على فراش الإثم والفاحشة ، مع قولهم لعنهم الله : إنه ساحرٌ وكذاب . وأما النصارى فقد قصُرَت مداركهم عن إدراك قدرة الله تعالى ، فلم تحتمل عقولهم تلك الحقيقة ، وهي أن الله تعالى قدير على كل شيء ، يخلق ممَّا يشاء ، وكيف يشاء ما يشاء من يشاء ، فقالوا في المسيح : إنه ابْنُ الله ؛ كما قالت اليهود : عُزَيْرٌ بْنُ الله ، فردَّ الله تعالى عليهم قولهم ، ووبَّخهم على افترائهم وكذبهم بقوله :﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾( التوبة : 30 ) . وقالوا أيضًا : إن الله هو المسيح ، تجسَّد بشرًا في جسد عذراء ، وإنه ثالث ثلاثة ، مع دعوة المسيح- عليه السلام- لهم إلى عبادة الله تعالى وحده ، وتحذيره لهم من الشرك وعواقبه الوخيمة . وإلى ذلك الإشارة بقوله سبحانه :
- ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ* لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾( المائدة :72-73 )
- وقد نهى الله تعالى النصارى عن الغلوِّ في دينهم ، وأن يقولوا على الله تعالى غير الحق ، وبين في أكثر من آية أن المسيح بن مريم رسول كغيره من الرسل ، خلقه بكلمة منه ، وبنفحة من روحه ؛ كما خلق هذا الوجود كله بنور من نوره ، وفيض من فيضه ، فقال سبحانه :
- ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾( النساء :171 )
- وأقرب مثل لعيسى عند الله تعالى هو مثل آدم :﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ . والعرب تضرب الأمثال لبيان ما خفيَ معناه ، ودقَّ إيضاحه . ولمَّا خفي سِرُّ ولادة عيسى- عليه السلام- من غير أب ؛ لأنه خالف المعروف ، ضرب الله تعالى له المثل بآدم الذي استقرَّ في الأذهان ، وعُلِمَ أنه خُلِقَ من غير أب ، ولا أمٍّ .
- ثانيًا- وقوله تعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ﴾ مشبَّهٌ . وقوله :﴿ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾ مشبَّه به . ولا بد من مشابهة معنوية بين من ضُرِبَ له المثل ، ومن ضُرِبَ به من وجه واحد ، أو أكثر ، ولا يُشْترَط المشابهة بينهما في جميع الوجوه . والمعنى الذي وقعت فيه المشابهة بين آدم ، وعيسى- عليهما السلام- كونُ كل واحد منهما خلق من غير أب ؛ ولهذا صحَّ أن يكون كل واحد منهما طرفًا في تشبيه واحد أداته الكاف التي دلَّت على أن ما بينهما تشابهٌ في الخَلْق في أحد الوجوه .
- فالتشبيه بينهما واقع على أن المسيح خلق من غير أب ؛ كما خلق آدم من غير أب ، ولم يكن التشبيه واقع بينهما على أن المسيح خلق من تراب ، فكان بينهما فرق من هذه الجهة . وإن كان قد شبِّه الأول بالثاني لكونه خلق من تراب ، فلأن خلقهما يرجع في الحقيقة إلى التراب . وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن سعد عن أبي هريرة ، قال :« الناس ولد آدم، وآدمُ من تراب » .
- فإذا جاز ادعاء البُنُوة والإلهيَّة في عيسى لكونه مخلوقًا من غير أب ، فجواز ادِّعائها في آدم بالطريق الأولى ، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل . وإذا كان ذلك باطلاً ، فدَعْواه في عيسى أشدُّ بطلانًا ، وأظهر فسادًا ، لأنه خلق من غير أب ، وآدم خلق من غير أب وأم .
- ومن هنا كان الغرض من التشبيه في هذا المثل هو إقامة الدليل والحجة على المحاجين بخلق عيسى عليه السلام من غير أب ، مع اعترافهم بخلق آدم من غير أب وأم ، فشبه الغريب بالأغرب ، والبعيد بالأبعد . فإذا اعترف بالأغرب والأبعد ، كان الاعتراف بالغريب والبعيد أولى ، وهذا يقتضي حسم النزاع .
- وأما قوله تعالى :﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ فالمراد به : أن نسبة المسيح إلى الله تعالى لا تزيد على نسبة آدم إليه شيئًا ، في كونه خلْقًا غيرَ معتاد للمحاجِّين فيه . وإنما ذكر تعالى هذا القيد الذي قيَّد به مثل عيسى ؛ لأنهم جعلوا خلقه العجيب موجبًا للمسيح نسبة خاصة عند الله ، وهي البُنُوَّة والإلهيّة ، فكان لابد من ذكر هذا القيد .
- فإن قيل : لماذا خلق الله تعالى عيسى من أنثى بلا ذكر خلافًا للمعتاد ؟ فالجواب عن ذلك : أن الله جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه ، وأن يبين عموم هذه القدرة في خلق النوع البشري على الأقسام الممكنة ، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق زوجته حواء من ذكر بلا أنثى ؛ كما قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾( النساء: 1 ) ، وخلق عيسى– عليه السلام- من أنثى بلا ذكر ، وخلق سائر الخلق من ذكر وأنثى ؛ كما قال :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ﴾( الحجرات: 13 ) .
- ثالثًا- وأما قوله تعالى :﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ فهو تفصيلٌ لما أُجْمِلَ في المثل ، وتفسيرٌ لما أُبْهِمَ فيه ، ببيان وَجْهِ الشَّبَه . والضمير في ﴿ خَلَقَهُ ﴾ لآدم ، لا لعيسى ؛ إذ قد عَلِمَ الكلُّ أن عيسى لم يُخلَق من تراب ، فدل ذلك على أن محل التشبيه هو قوله تعالى :﴿ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ .
- والخَلْقُ في اللغة أصلُه : التقديرُ المستقيمُ . ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء ؛ كقوله تعالى :﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾( الأنعام: 1 ) . ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء ؛ كقوله تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾( الروم: 20 ) ، وقوله تعالى :﴿ خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾( النساء: 1 ) .
- ولسائل أن يسأل : لمَاذا قال تعالى هنا :﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾ ، ولم يقل :﴿ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ ، أو من صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ ؛ كما أخبر تعالى في قوله:﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ﴾( ص: 71 ) ، وقوله عز وجل :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾( الحجر: 28 ) ؟
| |
|
محمد زين الدين Administrator
عدد الرسائل : 556 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 29/11/2007
| |
محمد زين الدين Administrator
عدد الرسائل : 556 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 29/11/2007
| |