انجي افلاطون إنجي أفلاطون فنانة مصرية تنتمي إلى رواد الحركة الفنية التشكيلية في مصر والعالم العربي ولدت إنجي حسن أفلاطون في قصر من قصور القاهرة وتلقت تعليمها في (مدرسة القلب المقدس) الفرنسية الداخلية.
بداياتها مع فن الرسم
بدأت طريق الإبداع الفني تلقائياً قبل أن تدرس فن الرسم دراسة أكاديمية، فقد استقدم لها والدها معلماً حين لمس نزوعها نحو الفن ، ومنذ بداية الأربعينات ، وهي في السابعة عشر من عمرها، تتلمذت إنجي أفلاطون على الفنان القدير الراحل كامل التلمساني الذي أخذ يشرح لها الفن ويوجهها نحو تاريخ الفنون وفلسفة الجمال وقدم لها فنون التراث واتجاهات الفن الحديث من خلال المراجع والصور فانفتحت أمامها نافذة أطلت منها على عالم الفنون الحافل بالجمال وكان ذلك من عام 1942 حتى 1945 ، وعندما بدأت تصور لوحتها ، سكبت في لوحتها أحاسيسها وهواجسها ، قلقها وتوتراتها وتوجسها من أيام صعبة على وجدانها .
كانت إنجي أفلاطون حتى منذ بدايتها الأولى ترفض الإغراق في الذاتية والهرب من الواقع المعاش أو الحقيقة الاجتماعية . فلم تكن أغصانها الملتوية كشجرة من الأفاعي، وطيورها المخيفة العدوانية من قبيل الإتيان بالغريب الملفت للأنظار ، بل كان نطقاً بلغة تعبيرية مفرطة في الصدق والإنسانية مهما كانت صادمة للأنماط الجمالية المحافظة في تلك الحقبة الباكرة ومن ثم لا يمكن أن نعتبر البدايات الأولى لإنجي أفلاطون ضرباً من الممارسة السريالية التي كانت جديدة ومبتكرة في الأوساط الفنية آنذاك ، بل كانت أكثر تقدمية ومتشبثة بالتراب القومي ، إذ كانت ضرباً من "التعبيرية الاجتماعية " بكل ما فيها من احتجاج ، وتمرد .
وقد مضت إنجي أفلاطون عبر مسيرتهما الفنية ترسخ تعبيريتها الاجتماعية ، وتزداد فيها التصاقاً بقضايا مجتمعها ، يتجلى ذلك في لوحتها "الطلاق" حيث " تشرح بشاعته بوجه امرأة مذهولة ، ضائعة يتنفس في عينيها حقد أسود على الحياة التي سلبتها منها جملة الزوج : روحي وأنت طالق " وفي تلك اللوحة التي عرضتها إنجي أفلاطون في مارس 1952 حيث تصور فلاحتين تستلقيان ككومتين من القمامة وراء جدار في الريف ، كلتاهما متعبة كأنها تموت ، ملقاة على الأرض بلا حياة ، وكلتاهما مع ذلك تصنعان لنا كل الحياة " وكان إنجي تدين بها هؤلاء الذين يبتزون جهد العامل وعرقه .
ونظراً لإيمانها بأن " معركة الحياة ليست معركة الرجل وحده ". فقد أكدته بصور النساء وهن يعملن كالرجال وبلوحتها " لن ننسى"عام 1951 حيث صورت نساء مصر في جنازة الشهداء يسرن جنباً إلى جنب مع الرجال .
التمرد الفني عند إنجي أفلاطون
ومهما كان انشغال إنجي أفلاطون بالتطور من "الذاتية" إلى "الموضوعية" فقد ظلت بأعماقها جمرة التمرد المتأججة ، وربما كانت نشأتها الأولى حيث تصارعت تقاليد الأسرة الميسورة في الاحتذاء "بالأوروبيين " وتقليدهم في نمط الحياة ولغة التخاطب ، بالأصول القومية المتأصلة في الكيان المصري ، فإذا بها تجد في الفن متنفساً لتمردها على ما حولها من بشر وأوضاع .
وبعد أن مارست من خلال فنها " التمرد " الفردي متمثلاً في رفضها للأنماط التقليدية للجمال ، مقبلة على الأنماط السريالية والتعبيرية الصادمة للذوق المستتب لدى المحافظين في الأربعينيات ، تطورهذا التمرد لديها ليكتسي طابعاً اجتماعيا فنجد إنجي أفلاطون تنتمي إلى ما يمكن أن نسميه " بالتعبيرية الاجتماعية " وقوامها صرخة احتجاج على الأوضاع المستبدة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلاقات الأسرية ، المبنية على " القهر " الاجتماعي للإنسان ، وقد انعكس ذلك على لوحاتها في معرضها الخاص الذي أقيم في مارس سنة 1952 في أعقاب حريق القاهرة وقبل ثورة 23 يوليو ، وسنجد الألوان الداكنة ، تسود لوحاتها ، إلى جانب الضربات ذات الطابع الانفعالي للفرشاة ، والتحريف المتعمد للأشكال من أجل تحقيق قوة في التعبير ولو على حساب جمال التعبير.
ماتتميز به أعمالها
1- تعبيرها عن الحياة المصرية وبالأخص الحياة الريفية مرتبطة بالعمل
الأخضر عند إنجي أفلاطون لون ذو دلالة ومغزى ، فهو يربطها ذهاباً وإيابا بالطبيعة ، وما أحبت إنجي قدر ما أحبت الطبيعة والإنسان ، واستخدمت موهبتها اللونية في التغني بذلك الالتحام الذي يحدث بين الأرض والفلاح من خلال العمل ، ومن ثم العطاء.
ولما كان العمل قيمة اجتماعية ، فإن تذوق أعمال إنجي أفلاطون إنما يرقى إلى بعد أعلى وأعمق من خلال الرباط المقدس بين الفن والمجتمع ، فالجمال عندها لا يأتي مجرداً بل من خلال التحامه بالمجتمع وقضاياه ، وقد غمست إنجي أفلاطون فرشتها في حياة أهل مصر ، وعلى الأخص أهل ريفها ، فرسمت جهاد الفلاح ، وإلى جواره الفلاحة ، من أجل المحصول والثمرة .
فليس لدى إنجي من الناس غير من يعملون ويكدون ، ويحيلون حياتهم إلى أغنية ، من واقع ما يؤدونه من عمل يدوي على الأخص ، إلى أن نلتقي بقمة العمل ممثلاً في النضال من أجل الإنسان من أجل الشعوب ، فتقابل في لوحاتها "الفدائي" وأيضاً "المعتقلة" ، ولاشك أن تلك اللوحات التي صورتها إنجي أفلاطون من " سجن النساء " ترقى إلى قمة الإبداع الفني ، لما تحتويه من نبض إنساني لا يستنفد ولا يهمد .
2- العلاقة الحميمة في لوحاتها بين الكل والواحد
كانت إنجي تسعي بكل مالديها من عاطفة قوية لتحقيق فن قومي ذي أصداء عالمية وهي إذ تفعل ذلك تتحاشى أن تقع فريسة الموضات السائدة في الأوساط الفنية وقد مضت إنجي أفلاطون فأقصت عن ضميرها التشكيلي رويداً رويدا كل صوت غير صوت مياه النيل ، والحقول الخضراء ورمال الصحراء ممتدة إلى آفاق رحيبة تتأجج بلهيب داخلي .
فمضت تتجول بين أحضان مصر الأم ، فصورت "طقوس العمل" حول أشجار القطن والموز والبرتقال وغيرها ، عايشت الفلاحين وهم يخرجون إلى الحقول منذ الفجر، يعملون بها حتى الغروب يشاركون جميعاً في "عرس الشمس" ، وصورت عشرات اللوحات ، بلا حدود واضحة تفصل بين الإنسان والشجر ، لقد امتزجت كل العناصر ، واتحدت كل الكائنات في نسيج شديد الرهافة ولكن في هذا العالم يبدو الإنسان أيضاً حركة لا تهمد ، وعملاً متواصلاً ، وارتباطاً بالطبيعة التي هو منها ولها.
كما صبرت على صياغة غنية بالحركة التي لا يهدأ لها قرار ، فلا تستقر العين بسهولة على جزئية دون اللوحة ككل ، وهذا التداخل والالتحام مقصود من جانب الفنانة ، عن وعي منها بذلك أو غير وعي ، فهي كما قلنا إنما ترسم مصر ، وتصغي في أعماقها إلى صوت تلك الكينونة المتجددة عبر الأزمان ، والمتجسدة في كائنات أرضها ، فالكل – كما قال الفراعنة في واحد ، والواحد في الكل.
3- التنغيم اللوني والخطي في لوحاتها وعنايتها بالمساحات البيضاء
وإنجي أفلاطون أستاذة في التنغيم اللوني والخطي ، وهي تحقق هذا التنغيم بشحن سطوح لوحاتها بديناميكية تمحو عن تكويناتها كل سكونية وغموض ، وتظل تداعب العين في حركة مستمرة لا يهدأ لها قرار ولا زالت البراعة في التنغيم لا تفارق لوحات إنجي أفلاطون حتى في أعمال المرحلة الممتدة من السبعينات إلى الآن ، ويتأتى التنغيم في هذه اللوحات من توزيع مدروس وإن بدا تلقائياً للمساحات البيضاء على سطح اللوحة في تعاملها مع الأشكال الطبيعية والبشرية التي تنثر في حيز اللوحة دون أن تشغله إلا بنسب محددة ، وهذا التنغيم يُؤدَى على الأخص بضربات الفرشاة التي برعت فيها إنجي أفلاطون ،إذ يتميز استخدامها للفرشاة بالانسياب والتماوج ، ولا يلبث كل شيء تلمسه في اللوحة أن يبدأ بدوره في التماوج و الحركة حتى أكثر الأشكال صلابة كالأشجار والجبال مثلاً .
وبعد أن كانت ألوانها داكنة ثقيلة الوطأة ، متفقة على أي حال مع مضامينها التعبيرية الأولى ، اتجهت ألوانها إلى وضاءة متزايدة ، كما وسعت الفنانة من الفراغات بين لمساتها المتقطعة تاركة على سطح اللوحة مساحات بيضاء أعطت إحساساً بالرحابة التي ربما استوحتها الفنانة من زيارتها اللاحقة للصحراء .
وربما ترجع هذه الخاصية في فن إنجي إلى تأثرها بالفن الأوروبي الذي اعتنى في التصوير بالمساحات والفراغات ، وقد تجلى هذا عندها في المرحلة مابين 1964 ، 1974 عندما أولت اهتماماً أكبر بالضوء ، فقد عنيت وهي تملأ المساحات بضربات فرشاتها أن تترك بين شريط الألوان المنسابة فراغات بيضاء تبرز العناصر المرسومة في اللوحة ، وتشعر الرائي بذبذبات الضوء المرتعشة في الأجواء المصرية ، وقد بدأت هذه الفراغات أول الأمر ضيقة بعض الشيء ، ولكن قدر لها مع تطور فن إنجي أفلاطون أن تتسع وتتسع حتى جرؤت الفنانة في النهاية على أن تترك مساحات كاملة بيضاء فارغة من اللون.
وقد أتاح ما سمي بـ" الضوء الأبيض " أو المساحات التي تترك فارغة وبلون قماش اللوحة في أعمال إنجي أفلاطون لهذه الأعمال تخففاً من الانطباع " بالتسطيح " وتحقيقاً لمزيد من العمق أو البعد .
أشهر أعمال انجي أفلاطون
لوحات : جمع الذرة ، حاملة شجرة الموز ، جمع البرتقال ، الشجرة الحمراء ، سوق الجمال ، صياد بلطيم
وفاتها
توفيت انجي أفلاطون في ابريل 1989.