السلطان محمد جلبي الأول : :
ولد هذا السلطان في سنة 781 و توفي في
سنة 817 بالغاً من العمر خمسة و ثلاثين سنة .
و في هذه السنة ذهب قاسم بن
سليمان شاه الذي كان مرهوناً عند أمبراطور الأستانة إلى جهة أفلاق للإستيلاء عليها
بمن معه من أخلاط الناس فأرسل إليه السلطان عسكراً شتتوا شمل أعوانه و أسروه . و
لعدم ميله للسلطان بالنسبة لما حصل أتلف عينه و أعطى له و لأخته مايقوم بكفايتهما
من الجفالك في جهة بروسة و أمر بإقامتها فيها .
و في هذه السنة هجم أولاد
قرمان على بروسة فسار إليهم السلطان فأوقدوا فيها ناراً و هربوا إلى بلدهم فذهب
إليهم السلطان و أخذ من بلادهم مدائن إقشهر و يكي شهر و سيدي شهر و مراكز سعيد ايلي
فقابلوه بقتال فلم يثبتوا و هرب كبيرهم و أبقى إبنه مصطفى بك في القلعة فحاصرها
السلطان .
ثم مرض هناك بعلة القلب و الخفقان .
و لما طال الحصار
كاتب بايزيد باشا الوزير بن قرمان بالحضور و الصلح و وعده بما يسره . فحضر ابن
قرمان والد مصطفى بك المحصور بالقلعة فلما قرب من الجيشين فما كان من بايزيد باشا
الوزير المذكور إلا أنه هجم عليه ليلاً و قبض عليه و أحضره إلى السلطان فقبّل
أقدامه و حلف له يميناً على أن لا يعود فعفا عنه و أعيد إلى حكومته ورد له بلاده
سنة 818 .
محاربة مجر و أفلاق :
في سنة 819 غدر حاكم الأفلاق المسيحي
و عصى السلطان بدسائس و إتفاق من ملك المجر فاضطر السلطان إلى الذهاب إليه و لما
رأى الحاكم كثرة جيش السلطان خاف و طلب العفو على ان يدفع ذخيرة ثلاث سنوات فقبل
منه و سحب جيشه و ذهب به إلى بلاد المجر فلما وصل و نظر الملك كثرة الجيش أرسل
السلطان ثلاثة أمراء من عائلته بهدية عظيمة طلباً للصلح متعهداً بعدم غدره مرة أخرى
فقبل و رجع . و في سنة 820 اظهر قاسم بك ابن إسفنديار مودته للسلطان فأنعم عليه
بإيرادات ( طوسية ) و كنغري و باقر كوره سي و قسطموني من ملحقات ولاية قسطموني و
أشعره أباه إسفنديار بذلك ثم إن إسفنديار أرسل وزيره محمد الواعظ بهدايا إلى
السلطان و استعطفه بعدم تنفيذ هذا الأمر حيث أن مدار معايشه على قسطموني و باقر
كورة و أنه غير راض عن إبنه قاسم المذكور فبناء عليه إكتفى السلطان بكنغري لقاسم بك
و قبل طلبات أبيه .
و في سنة 821 حصلت زلازل هائلة في جهات قسطموني و بروسة
و امتدت إلى حدود أماسيه و توقاد و استمرت ثلاثة أشهر و اضطر الأهالي على الإقامة
بالأودية و أعقب ذلك حصول محاربات و منازعات و فتن بين ملوك الطوائف المجاورين
لبلاد الدولة .
و في سنة 822 ذهب السلطان بجيشه الجرار إلى أماسيه التي هي
مستقر ولاية ولي عهده مراد فخاف رؤساء الفتن و انكمش كل منهم و لزموا الحياد و ضبط
بلاد صامسون و ألحقها بالبلاد العثمانية .
و تصادف حصول فساد من قبيلة منت
بك من طوائف التتر في صحراء أسكليب فلقطع الفساد صار نقلهم إلى روملي و إسكانهم في
تتار بازاري من ملحقات فلبة و عاد السلطان من أدرنة إلى بروسة و بنى بها مسجداً و
مدارس و ابنية خيرية كثيرة . ثم أرسل السلطان أمور بك بن تيمور طاش باشا بعساكر
كافية لاسترداد هركة و ككبوزة و داريجة و قارتال و بنديك و سائر الجهات من يد
أمبراطورية الأستانة .
و في سنة 823 ظهر رجل يسمى مصطفى يورك ليجه و هو الذي
كان كتحدي للشيخ بدر الدين قاضي عسكر في مدّة موسى جلبي وقت الفتنة الماضية و ادّعى
أنه خليفة الشيخ بدر الدين و جمع الأهالي البسطاء نحو عشرة آلاف نفس و رغب إستقلاله
في جهة إيدن و كان الشيخ بدر الدين مقيماً في أزنبيق و له ألف أقجة ( عملة تركية في
ذلك الوقت ) شهرياً فقام من هناك خوفاً من التهمة في إشتراكه مع مصطفى المذكور و
ذهب على جهة حاكم أفلاق بواسطة إبن إسفنديار فأمر السلطان ابنه و ولي عهده مراد
والي أماسيه بظبط مصطفى المذكور و رفيقه ( طورلق هود كمال ) و التنكيل بهما فأرسل
ولي العهد بايزيد باشا طليعة له و مضى هو على أثره فضبط هو مصطفى المذكور في قره
بيرون كما ضبط بايزيد باشا ( طورلق هود كمال ) المذكور فأعدماهما و شتتا من معهما و
قتل الشيخ بدر الدين بالصلب بناء على فتوى شرعية و عاد السلطان محمد إلى أدرنة
.
و بعد ثلاثة أيام اعتراه داء النقطة و هو على جواده فانكب عن فرسه و مات
في أوائل سنة 824 رحمه الله تعالى رحمة واسعة و مدفنه ببروسة بقرافة يقال لها :
جيلارمزارلفي .
و كان له من الأولاد خمسة : مراد و مصطفى و أحمد و يوسف و
محمود أما أحمد فمات في حياة أبيه . و أما يوسف و محمود فإنهما ماتا بالطاعون في
بروسة و أما مصطفى فقتل شهيداً كما يأتي و لم يخلفه في السلطنة إلى السلطان مراد
الآتي ذكره