السلطان بايزيد هو الملقب بيلدرم ، و سبب تلقيبه بذلك سرعة حكاته الحربية و شدته
على الأعداء ، و قد ولد في سنة 761 و جلس عقب وفاة أبيه في سنة 791 و عمره ثلاثون
سنة .
و بويع له بميدان الحرب في قوصوة ثم قام بالجيش و عاد إلى العاصمة ، و
بنى المسجد المشهور باسمه في بروسة . ثم أرسل تيمور طاش باشا الملقب بروملي بيكلر
بكى إلى حدود الصرب ، و باشا بك إلى أسكوب ، و فيروز بك إلى ودين .
أما
تيمور طاش فإنه استولى على بعض من بلاد الصرب ، فطلب ملكه الجديد أن يكون تابعاً
للدولة العثمانية ، و تزويج أخته المشهورة بالجمال المسماة مليحة للسلطان بايزيد
فقبل منه . و بعدها ذهب الباشا المذكور إلى بوسنة و فيروز بك إلى أفلاق ثم عاد
بالغنائم إلى بروسة .
و في سنة 792 هاجم علي بك بن قرمان البلاد العثمانية
ثم خاف و هرب . فذهب السلطان إلى قونية فحاصرها ، فطلب أهلها أن يكونوا تبعاً
للسلطان بايزيد و سلموها له فعلاً ، و أحيلت إدارة هذه الجهات إلى تيمور طاش باشا و
كذا البلاد المجاورة مثل أقشهر و غيرها و ألحقت بالممالك العثمانية .
ثم إن
علي بك طلب الأمان فقبل منه السلطان و أعطى له جهات لارندة وايج ايل و توابعهما و
عاد السلطان إلى بروسة .
و في سنة 793 اعتدى كوتورم ( من ملوك الطوائف )
حاكم قسطموني على البلاد العثمانية المجاورة له بالأناضول و اعتدى حاكم الأفلاق على
بلاد الدولة بروملي في آن واحد فأسرع السلطان بالذهاب إلى أفلاق و بوصوله طلب
الحاكم المذكور العفو و الأمان فعفا عنه .
و في أثناء ذلك هجم علي بك بن
قرمان على تيمور طاش باشا على حين غفلة فأخذه أسيراً و معه كثيرين أيضاً فلما بلغ
الخبر السلطان أسرع بالذهاب إليه ، فتعجب الناس من سرعة وصوله مع بعد المسافة
فلقبوه بيلدرم أي الصاعقة . و اما علي بك فإنه أسرع بالهروب من شدة الخوف فانكب به
فرسه و أخذ أسيراً و أعدم ، و سجن ابنه محمد بك في بروسة .
و في سنة 794
تعدى برهان الدين رئيس قبائل جانكيزخان الباقين في جهات قيصرية و سوَاسْ سكان
الخيام النقالة على الحدود ، فذهب إليه السلطان بجيشه فهرب إلى جهة خربوت . فقابله
قرة عثمان بك حاكم ديار بكر بعسكره و اقتتلا ، فقتل برهان الدين و هرب أعوانه . فضم
السلطان قيصرية و سواس و توقاد و ملحقاتهن إلى الممالك العثمانية و عاد إلى بروسة
.
و في سنة 795 ذهب الأوردي الهمايوني إلى قسطموني لتأديب كوتورم السابق
ذكره الذي مات قبل وصول الجيش إليه و هرب ابنه إسفنديار إلى قلعة سينوب و ضمت
قسطموني و صامسون و ما حولهما إلى الممالك العثمانية ثم هرب إسفنديار المذكور . و
التجأ إلى تيمورلنك المشهور حاكم عموم فارس و خرسان و أفغان و سمرقند و غيرها.
و في سنة 796 اتفق حكام الونديك و الإفرنج و الجنويز براً و بحراً على
محاربة العثمانيين ( و هو الاتفاق السابع ) فأرسلوا سفنهم إلى سلانيك و منها تجاوزا
الحدود العثمانية فذهب السلطان إليهم و انتصر عليهم براً و بحراً و استولى على قلعة
سلانيك و يكى شهر و توابعهما ثم عاد إلى بروسة .
و في سنة 797 اتفق
بالولوغوس أمبراطور القسطنطينية مع المجر و الصرب و فرنسا على العثمانيين فغضب
السلطان و أخذ الأوردي الهمايوني و حاصر القسطنطينية و ضرب الإستحكامات بالمنجنيقات
. لكن عبر ملك المجر و من معه نهر الطونة و هجم على صوفية و ورين و ينكى بولى .
فاضطر السلطان لترك محاصرة القسطنطينية و ذهب بجيشه لمحاربة المتفقين و تقابل
الجيشان بجوار الاجه حصار ز و اقتتلا قتالاً شديداً . و أخيراً انتصر السلطان و
انهزم عساكر المجر و فرنسا و باقي المتفقين و هرب ملك المجر بحالة صعبة و قتل من
الطرفين ثمانون ألفاً و عاد السلطان في أواخر سنة 798 .
و في سنة 899 أرسل
السلطان تحسين بك بن تيمور طاش باشا طليعة إلى الآستانة فبوصوله إلى سواحل البحر
الأسود استولى على حصار شيلة ثم وصل الأوردي إلى بوغاز البسفور فأنشأ هناك حصار
الأناضول فخاف الأمبراطور و أرسل للسلطان هدايا و نقود و عرض عليه دفع الجزية
سنوياً و عجل بدفع جزية السنة و تعهد بعدم الغدر و عدم الاتفاق مع أحد على الدولة
ثم اقترح الصدر الأعظم إضافة الشروط الآتية على تلك المعاهدة .
و هي : 1 ـ
إسكان المسلمين بالآستانة ببعض محلات معينة .
2 ـ بناء المساجد لهم .
3 ـ ضرب
نقود باسم السلطان .
فقبل الأمبراطور ذلك و نفذه فعلاً .
و في سنة
800 أرسل أمير بخارى للسلطان بايزيد سيفاً على سبيل الهدية و التعظيم و كذلك أعطى
الخليفة العباسي الموجود بمصر للسلطان لقب و عنوان ( سلطان أقاليم الروم ) ثم
استولى على مقدونية و مورا و أتينة و قلعة طرحان و هدّد فرنسا و المجر .
و
أما الأناضول فإن تيمور طاش باشا ألحق ملاطية و كردستان و سيودك و كماح و غيرها
بالممالك العثمانية في سنة 801 .
و في سنة 802 إستفحل أمر تيمورلنك الأعرج
الآنف الذكر المشهور ، الذي هو من أولاد الأمير جوبان و معناه الغنام . و صار يسلب
بلاد الإسلام بآسيا الوسطى من أيدي ملوكهم حتى وصل بغداد و عراق العرب . فهرب
حاكمهم السلطان أحمد جلاير من شره . و كذلك هرب حاكم أذربيجان قره يوسف و التجآ
بعائلتيهما إلى السلطان بايزيد فأرسل تيمورلنك إلى السلطان بايزيد سفيراً بتسليمهما
إليه فأبى و رجع السفير خائباً فغضب تيمورلنك .
و في سنة 803 هدم قلعة سواس
و قتل أرطغرل بك بن السلطان بايزيد محافظها و استولى على ملاطيه و أعطاها إلى قره
عثمان . ثم ذهب إلى الشام ضد السلطان برقوق سلطان مصر و استولى على قلعة حلب و
مدينتي حماه و حمص و قلعة بعلبك . ثم وصل دمشق فقابله و كيل سلطان مصر بجيشه و
اقتتلا قتالاً شديداً ، فانتصر تيمورلنك أخيراً ثم خرب قلعة النجق و ما حول ماردين
و بغداد ثم ذهب إلى تبريز .
و في أثناء ذلك ضبط السلطان أذربيجان التي كانت
من أملاك طاهر الدين الكردي تحت حماية تيمورلنك و سلمها لقره يوسف .
و في
سنة 804 زاد تيمورلنك في التسلط على الأملاك العثمانية يوماً فوق يوم فدعاه السلطان
بايزيد للحرب فحضر و معه عشرين أميراً مستقلين تحت حمايته بينهم أمراء شروان و أمير
كيلان و ديار بكر و كردستان و بدخشان و خان تركستان إلى أنقرة و أراد أخذ قلعتها من
يد يعقوب بك محافظها و إذا بالسلطان بايزيد وصل بجيشه إلى ( توقاد ) أمام جيش
تيمورلنك.
ففي يوم الجمعة 19 ذي الحجة من العام المذكور ابتدأ بالقتال و كان
جيش تيمورلنك سبعمائة ألف و جيش السلطان بايزيد مائة و عشرين ألفاًَ .
فلما
رأى العساكر التتر الموجودون ضمن جيش بايزيد أن جيش تيمورلنك تتراً مثلهم تركوا
بايزيد و انضموا إلى جيش تيمورلنك و كانوا خمسين ألفاً فانهزم جيش بايزيد و اشتغل
الأمراء بتخليص أولاده .
و أما هو فلم ينهزم و لم ييأس من النصرة بل صعد مع
خواص رجاله على ربوة . أما تيمورلنك فإنه أرسل محمود خان من نسل جنكيزخان بفرقة
للقبض على بايزيد فلما وصل إليه إنكب فرس بايزيد به فأخذ إلى تيمورلنك أسيراً فاهتم
بالسؤال عن أولاده .
فأرسل تيمورلنك رسلاً للبحث عنهم و إحضارهم فلم يجدوا
سوى موسى شلبي فابتلي بايزيد بمرض الصدر و الخفقان ، و بعد أربعة اشهر من أسره مات
في يوم الخميس رابع شعبان تلك السنة بالغاً من العمر أربعة و أربعين سنة . فأرسل
تيمورلنك جنازته مع إبنه موسى شلبي المذكور إلى بروسة و دفن بجوار مسجده المعلوم
بها ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة .