السلطان الثالث هو السلطان مراد الأول .
و قد ولد في سنة 726 ، و جلس
سنة 761 بالغاً من العمر 35 سنة ، فمدّة سلطنته 31 سنة .
و بينما هو مجتهد
في نظام الداخلية ، و إذا بأولاد قرمان ( هم أمراء شبه ملوك الطوائف بالأناضول ) قد
اتحدوا مع بقية حكام المسيحين المجاورين ، و هجموا على بروسة و ازنبيق . فقاتلهم
السلطان و هزمهم و استولى على قلعة أنقرة في سنة 762 .
و في سنة 763 عين
شاهين بك لاله ( أي مربي و هو مربي السلطان في صغره ) سر عسكر ، و عين خليل جاندرلو
قاضي بروسة بوظيفة ( قاضي عسكر ) لينظر في قضايا عساكر الجيش و هو أول من تقلد بهذه
الوظيفة المحدثة ، و بعدها تولى الصدارة العظمى ، و دُعي بخير الدين باشا ، و هذه
الوظيفة في عصرنا هذا من الرتب العلمية .
ثم حصلت مناوشات حدودية فأرسل
الحاج إيلي واورنوس بك ، ففتح قلاع بيطور و جورلي و مسللي و برغوس و برغاز و
ديمتوقة و كشان . ثم في شهر القعدة من سنة 763 فتحت مدينة أدرنة العظيمة الشهيرة
إلى الآن ، و عين لها شاهين باشا محافظاً .
و في سنة 764 عين أورنوس بك على
سواحل روملي الجنوبية لفتح كوملجنة و توابعها ففتحها ، و عاد السلطان إلى بروسة
.
و في سنة 765 فتح شاهين باشا مدينة فيلبة في شمال روملي إذ ذاك و ما حولها
. و فتح أورنوس بك جهات سيروز و مناستر و بهشتنة و موشنة و ما حولهنّ ، و صارت
أعمال هذه الجهات الأربع و توابعها ولاية واحدة ، و عين فيها أورنوس بك والياً
عليها بعد أن أنعم عليه برتبة أمير الأمراء .
و في سنة 766 إتفقت الدول
المسيحية لإخراج العثمانيين من قطعة أرض أوربا بإلتماس البابا ، فأجاب كل من ملك
المجر و ملك البوسنة و ملك الصرب و حكام افلاق . و بعد أن جمعوا عساكرهم و هجموا
على البلاد على حين غفلة ، قابلهم شاهين باشا و الحاج إيلي بك ليلاً فاندهشوا و
تشتتوا بعد قتال شديد . و كان عساكر الأعداء المتفقين 60 ألفاً ، و في رواية 30
ألفاً . و عسكر العثمانيين 10 آلاف . و لولا اختلال نظام الأعداء و حسن نظام
العساكر العثمانيين و شجاعتهم و تدبيرات ضباطهم و عناية الله بهم ، لما انتصروا
عليهم و خذلوهم .
و في سنة 767 فتح السلطان بنفسه قلعة بيغا ، ثم عاد إلى
بروسة و اشتغل ببناء جوامع و مدارس و أبنية خيرية ، و ختن أولاده بايزيد و يعقوب
جلبي و ساوجي بك .
و لما بلغه أن الأروام ينوون له السوء ذهب إلى أدرنة
منتظراً ما يكون ، و أنشأ فيها السراية الشهيرة و جعلها مقراً للسلطنة .
ثم
حصل بعد ذلك مناوشات في الحدود ، و تبين أن الأعداء طلبوا الإعانة من دول أسبانيا و
وعدتهم بها فغضب السلطان و شمر عن ساعد الجد ، حتى استولى في سنة 768 على جهات
يكيجه و يانبولي و أيدوس و قرق كليسا و بيكار حصارى وويزا و ما حولهن ، ثم عزم على
الانتقام من أسبانيا . و اجتهد في إيجاد القوة البرية و البحرية و إصلاح الداخلية
لغاية سنة 771 .
و في سنة 772 حصلت مناوشات في حدود الصرب فقابلهم شاهين
باشا و انتصر عليهم و استول على جهات سماقو و اهتمان و ما حولهما .
و في سنة
773 ذهب السلطان إلى سماقو لترتيب و تنظيم أحوالها و في أثناء ذهابه سلم له قسطنطين
حاكم كوسنديل مملكته بغير حرب و لا نزاع ، فكافأه السلطان بتعيينه حاكماً عليها .
ثم عاد إلى بروسة .
و في سنة 774 نهب رجال أمبراطور القسطنطينية جهات ويزة
فذهب السلطان في الحال و معه شاهين باشا ففتح بلونية بعد محاصرتها خمسة عشر يوماً .
ثم فتح مدينة قره جق و قلعة التنجه كزفي نظير اعتداء الأمبراطور . ثم عاد إلى أدرنة
.
و في سنة 775 لقب أورنوس بك بالغازي ، و عين خير الدين باشا الصدر الأعظم
لحفظ جهات غربي روملي و أخذ بلاد من يتعدى على الحدود و بمعيته الغازي المذكور ،
ففتح قوالة و ما حولها و لم يتعرض للمجاورين لها ، ثم عاد بجيشه .
و في سنة
776 ذهب السلطان و الصدر الأعظم إلى بروسة لاشتغالهما بنظام الداخلية و إصلاحها و
إذا بملك الصرب لازاري تسلط على بلاد الدولة في سنة 777 . فغضب السلطان و ذهب بنفسه
إلى حدود الصرب فهرب لازاري إلى الجبال فدعاه إلى الحرب و إلا يستولي على بلاده
تأديباً له ، فلم يقابله ، فاستولى على قلعة نيش ، فطلب منه لازاري الأمان ، و قبل
أن يدفع ويركو و لا يتعرض لبلاد الدولة مرة أخرى ، فقبل منه ذلك ، و سحب جيشه
عائداً إلى بروسة على غير رغبة الجيش ، حيث كان قادراً على الإستيلاء على جميع بلاد
الصرب بسهولة و قال للجيش : إننا لسنا معتدين .
و في سنة 778 سلم حاكم
سلسترة بلدته المذكورة إلى السلطان فكافأه بتعيينه حاكماً عليها و عاد إلى أدرنة .
و من هذه السنة لغاية سنة 783 لم يحصل اعتداء من أحد على بلاد الدولة بل
إشتغل السلطان في هذه المدة بتنظيم و إصلاحات داخلية و صار يتنقل من أدرنة إلى
بروسة و منها إليها .
و في سنة 784 طلب إبن كرميان أحد ملوك الطوائف
بالأناضول تزويج ابنته لبايزيد بن السلطان و جهزها من بلاده بمدينتي كوتاهية و سما
و بقلعتي اكرى كوز و طوشانلي ، و الحاقهن بالممالك العثمانية فقبل منه السلطان ذلك
.
أما أولاد قرمان الذين هم من ملوك الطوائف أيضاً فصاروا يعتدون على ممالك
الدولة في جهات قونية ، فأرسل السلطان سفيراً مخصوصاً إلى من يسمى حسين بن حميد
منهم لمشترى حقوقه من البلاد و هي إسبارته و ما حولها ، فقبل و ألحقت بممالك الدولة
.
و في أثناء ذلك فتح قلعتا برلبه و مانستر بهمة تيمور طاش باشا ، و لغاية
سنة 786 لم تحصل حروب . و في سنة 787 مات خير الدين باشا الصدر الأعظم في يكيجة ، و
عين بدله إبنه علي باشا قاضي عسكر .