هو عثمان خان الغازي بن ساوجي بك بن أرطغرل بك بن سليمان شاه بك بن فياألب رئيس
قبيلة قابي بآسيا الوسطى و إلى هذا ينتهي النسب الصحيح و ما بعده مختلف فيه . و
كانت ألقابهم ( قابي خان ) و معناه خان قابي
و كان من أمرهم أنه لما ظهر
التتر من أقصى آسيا و استولوا على البلاد الإسلامية ، و أفسدوا فيها بالقتل و السلب
و النهب ، هاجر سليمان شاه من وطنه مدينة ماهان بقبيلته العظيمة البالغ عدد
محاربيها ألفا فارس إلى الأناضول ، في القرن السابع من الهجرة النبوية على صاحبها
أفضل الصلاة و أزكى السلام ، فأقام بمدينة اخلاط . فلما انتشر التتر و قربوا من تلك
المدينة ، هاجر منها على أذربيجان .
و بعد مدّة أراد الرجوع إلى وطنه الأصلي
، فسار مع قبيلته إلى أمام قلعة جعبر من أعمال ولاية أورفة ، و عند عبورهم نهر
الفرات وقع فيه سليمانشاه و مات غريقاً ، و دفن تحت القلعة المذكورة ، و كان له
أربعة أولاد ، و هم سنقورتكين و كون طوغدي ( أي ولد النهار أو طلعة الشمس ) و هذان
عادا إلى وطنهما و لم يعلم لهما أحوال ، و أرطغرل بك ( أي رجل عقاب ) و دندان ، و
هذان سارا بالقبيلة إلى أرضروم بالأناضول ، و وضعوا خيامهم بمحل يسمى ( صرملو جقور
صحراسي ) . ( أي صحراء نقرة القصب )
و صار أرطغرل بك رئيساً على القبيلة ، و
أرسل ابنه ساوجي بك إلى السلطان علاء الدين السلجوقي يلتمس منه مسكناً له و لقبيلته
و مرعى لمواشيهم ، و كان سلطاناً على جزء عظيم بالأناضول ، فأجاب له الطلب ، و توفي
ساوجي بك و هو عائد إلى أبيه .
ثم تصادف أن فرقة من التتر كانت تحارب عساكر
السلطان علاء الدين و إذ بأرطغرل بك مار عليهم ، فهجم بقبيلته على التتر فانهزموا
شر هزيمة ، فكافأه السلطان علاء الدين بطومانيج واسكي شهر ( أي المدينة القديمة و
هي مدينة مشهورة ) بوادييهما ، ثم إنه مات في سنة 680 هجرية بالغاً من العمر فوق 90
سنة ، فصار حفيده
عثمان كوندزالب ( أي قهرمان النهار و هو ابن ساوجي بك السابق
ذكر وفاته ) رئيساً على القبيلة ، و هو المؤسس للدولة العثمانية خلدها الله إلى يوم
الدين .
و لنذكر بعض وقائعه المهمة قبل توليته السلطنة ، و ذلك أن والي
الولايات التابعة لإمبراطورية القسطنطينية أعني دولة بزنتيس التي كان مقرها وقتئذ
الأستانة ، كان يسمى تكفور ، فالتكفوريون المجاورون لعثمان و قبيلته كانوا يعتدون
على قبيلته فيضطر للمقاومة ، و في أغلب الوقائع يكون النصر له ، حتى استولى على
جملة قلاع وجهات كثيرة ، و صار يضم ما يكتسبه إلى ممالك السلطنة السلجوقية حتى إنه
استولى في سنة 685 هـ على ( قره جه حصارى ) ( محل مشهور بالأناضول ) فلقبوه بالغازي
و دعوا له في الخطبة . و لما استشهد أخوه في هذه الواقعة خاف تكفور بله جك من
استفحال العداوة فأراد الغدر بقتل عثمان .
و تفصيله أن تكفور المذكور تزوّج
بإبنة تكفور ( يارحصار ) في سنة 689 و دعا عثمان للوليمة في صحراء جاقربيكار و أعدّ
رجالاً للفتك به ، و كان رسول الدعوى يسمى كوسه ميخال حاكم حَرْمَن قبا ، و كان
وفياً لعثمان و صديقاً له باطناً بسبب محاسن أخلاقه و شجاعته و مروءته ، فأخبره
سراً بما هو منوي فشكره عثمان على ذلك ، و أجاب الدعوة ، و قال له : إني سأحضر و
بعون الله لا يحصل لي ضرر .
ثم إنه جمع فرقة من شجعان الفرسان و جعل بعضهم
كميناً ، و أرسل 40 شجاعاً في زي مساكين إلى قلعة بله جك و أمرهم بضبط القلعة حال
إشارته لهم . أما هو فإنه ذهب إلى الوليمة و جلس متيقظاً ، و إذا برسول أتاه بضبط
القلعة بمن أرسلهم فقام و أظهر شبه الفرار ، و إذا برجال الغدر ظهروا وراءه ، و عند
وصولهم الكمين ظهر عليهم و اقتتلوا معهم ، فانهزم رجال الغدر ، فغنم عثمان العروس و
ما معها ، و أرسل في الحال محافظاً للقلعة ، و فتح أيضاً قلعة إنَهْ كُول ، و سميت
العروس نِيلُوفَر ، و زوجها لإبنه أورخان ، فولدت منه سليمان باشا و السلطان مراد
الأول ، و هي التي بنت كوبري نهر بروسة المشهور ، و لحد الآن يسمى نهر وادي بروسة
نيلوفار على اسمها ، و هي مدفونة بمدفن أورخان بعلها ببروسة .
و في سنة 699
هـ الموافق 1299 م ، إنقرضت السلطنة السلجوقية بموت السلطان علاء الدين السلجوقي في
قونية بلا ذرية ، فاجتمع الوزراء و الأعيان و قرروا أنه لا يليق للسلطنة سوى عثمان
الغازي ، فعرضوا عليه هذا الأمر فأجاب طلبهم و صار سلطاناً من هذا التاريخ ، و جعل
مقر سلطنته يكي شهر ( أي المدينة الجديدة )
ثم إن التكفوريين الأربع ، و هم
حكمدار بروسة ، و حكمدار اطره نوس ، و حكمدار كستل ، و حكمدار كتّه ، اتفقوا على
معاداة السلطان عثمان و هجموا على مدينة يكي شهر محل السلطنة فقابلهم السلطان بجوار
قيون حصار ، و بعد قتال انهزم المتفقون ، و قتل تكفور كستل و هرب تكفور كتّه إلى
أرنوس .
و في سنة 717 أنشأ السلطان قلعة على مسافة ربع ساعة من بروسة
بالقرب من المياه المعدنية الموجودة الآن ، و عيّن عليها ابن أخيه الأصغر آق تيمور
. و أنشأ قلعة أخرى ، و عيّن لها مملوكه بلبان جق سردارا فحاصر بروسة . و قد اسلم
كوسه ميخال المعهود فعينه السلطان رئيساً على فرقة من الجيش ، فاستولى هو و أورخان
بن السلطان على قره حصار و لغكة و جادرلق و يكيجه بغير قتال ، و على آق حصار ( أي
الحصار الأبيض ) و تكفور بيكار بالحرب ، و على قلعة قره جيش بعد أسر محافظها ، و
كذا استولى أورخان على بروسة صلحاً .
و عقب ذلك مرض السلطان عثمان في سنة
726 هـ و أوصى ابنه أورخان بما لزم ، ثم توفي رحمة الله عليه ، و كان مولده 656 هـ
. و من المصادفات الغريبة أن مولد هذا السلطان كان قبل انقراض الخلفاء العباسيين في
بغداد بسنة واحدة ، و لله في خلقه شؤون .