القاهرة الفرعونية:
للقاهرة عبر التاريخ شخصيتها المنفردة وطابعها الخاص فهى كيان بشري وعمرانى يتدفق دائماً بالحركة والحياة ويرجع تاريخ موقع هذه المدينة إلي ما قبل ظهور اسم القاهرة نفسه، إن بدايات هذه المدينة تبدأ علي الضفة الغربية للنيل – أقدم بداية للقاهرة – ففي حوالي عام 4225 ق. م قامت أول حدة بين القطرين ( الدلتا – الصعيد ) علي يد سكان الجزء الشرقي من الدلتا الذين اختاروا موقعاً يبعد أميالاً قليلة شمال القاهرة وذلك الموقع هو مدينة "اون" القديمة التي عرفها الإغريق باسم هليوبوليس ويعرفها سكان القاهرة الآن باسم عين شمس .
في هذه المدينة ازدهرت علوم الفلك والطب والهندسة، واصبحت مركزاً هاماً من مراكز الديانات القديمة كما نمت ثورة المعرفة علي ضفاف النيل فاستطاع المصريون التوصل إلي ربط قوانين الظواهر الطبيعية وخلال عمليات الزراعة توصلوا إلي انشاء التقويم الشمسي الزراعي الذي يقسم السنة إلي فصولها الأربعة وايامها وضبط مواقيتها ومواقيت الزراعة بدقة بالغة .
عندما استطاع "مينا" حاكم مصر العليا انشاء وحدة راسخة ووحد القطرين واستمر ذلك حتى يومنا هذا عبر خمسة ألاف سنة تقريباً، أنشأ مينا عاصمة جديدة هي "منف" تقع علي مسافة 22 كيلومتراً جنوب القاهرة المعاصرة وكانت معروفة باسم "الجدار الأبيض" حتي القرن السادس والعشرين قبل الميلاد إلي أن أطلق عليها المصريون اسم " من نفر " وهو نفس الاسم الذي حرفه الاغريق فصار "ممفيس" .
توجد في مكان هذه العاصمة القديمة الآن قرية "ميت رهينة" وكان الإغريق يعرفونها باسم " مدينة الألف باب " وبجانبها منطقة سقارة بهرمها المدرج ومدافنها المشهورة، وأخذت العاصمة القديمة في الامتداد علي الشاطئ الشرقي للنيل حتي وصلت إلي موقع حلوان حالياً، وظل موقع "منف" يسيطر طوال العصر الفرعوني وما تلاه من عصور البطالمة والرومان علي طريق القوافل القادمة من وديان الصحراء الشرقية .
تبادلت العواصم القديمة موقع تفرع النيل الذي يمثل القيمة الاستراتيجية للعاصمة، وتعتبر منطقة "حصن بابليون" المعروفة الآن باسم مصر القديمة – من أكثر المناطق دلالة علي ذلك فقد كانت مقراً للجيش الروماني فضلاً عن انه يحتفظ بذكريات المسيحية الأولي في مصر .
القاهرة الإسلامية:
في الوقت الذي دخل فيه العرب مصر بقيادة "عمرو بن العاص" عام 640 م اختار نفس الموقع الاستراتيجي والحضاري القائم عند تفرع النيل إلي دلتاه حيث أسس العاصمة الإسلامية العربية الأولي "الفسطاط" في المكان الفسيح الذي يقع إلي الشمال من حصن بابليون .. وهو موقع له أهميته من الناحية الحربية والعمرانية .. وأقام "عمرو أبن العاص" في وسط مدينة الفسطاط مسجده العتيق وهو يعد أول مسجد يؤسس ليس في مصر فقط بل في أفريقيا كلها .
أسس العباسيون مركزاً أخر لدولتهم يقع في الشمال الشرقي من الفسطاط وسميت "العسكر" في عام 751 م وبمرور الأيام اتصلت العسكر بالفسطاط وأصبحت مدينة كبيرة .
أسس "أحمد بن طولون" في عصر الطولونيين مدينة "القطائع" عام 870 م في الجانب الشمالي من "العسكر" وأقام في وسطها مسجداً جامعاً يعد من أكبر مساجد العالم الإسلامي وأروعها وقد كانت مدينة القطائع مقسمة إلي خطط أو قطائع تضم كل قطعة منها جماعة من السكان تربط بينهم رابطة الجنس والعمل.
أسس جوهر الصقلي مدينة القاهرة عام 969 م – 358 هـ وبني حولها سوراً علي شكل مربع، طول كل ضلع من أضلاعه 1200 ياردة بمساحة 340 فداناً وبني في وسط هذه المساحة قصراً كبيراً بلغت مساحته 70 فداناً وقد اتسعت هذه المدينة شيئاً فشيئاً ونمت نمواً ملحوظاً وتبوأت مكانتها المرموقة في ظل الخلفاء الفاطميون واتصلت مبانيها بمباني المدن الإسلامية الثلاث السابقة (الفسطاط – العسكر – القطائع) وصارت تؤلف معاً أكبر المدن الإسلامية في العصور الوسطي .. وأصبحت القاهرة من أهم مراكز الإشعاع الثقافي في ذلك الوقت وتم إنشاء "دار الحكمة" ودار للكتب في قصر الخلافة تعد من أضخم ما عرف في العصر الوسيط وأقام الفاطميون أيضاً الجامع الأزهر وهو أول عمل فني معماري لا يزال قائماً حتي اليوم وأصبح ذا شهرة عالمية ويحتل مركزاً مرموقاً في العالم الإسلامي .
سرعان ما تزعمت القاهرة قيادة العالم الإسلامي في عصر صلاح الدين الأيوبي فقد كانت الدرع الواقية للعرب والإسلام اذ وقع عليها العبء الأكبر في اخراج الصليبيين من المشرق العربي .. وقد أحاط صلاح الدين عواصم مصر الإسلامية الأربع السابقة وكذا قلعة الجبل التي بناها لحماية القاهرة بسور واحد يمتد من قاهرة الفاطميين شمالاً إلي منطقة اثر النبي جنوب مدينة الفسطاط ولا تزال اجزاء كثيرة منه باقية حتى اليوم .. وقد اتخذت القلعة منذ عهد صلاح الدين داراً للملك حتى عصر الخديوي إسماعيل حين نقل مقر الحكم إلي قصر عابدين .
بهرت القاهرة الأتراك العثمانيين عندما دخلوها عام 1517 م بسبب ما كانت عليه من عمران متسع ومنشآت معمارية كثيرة العدد فخمة البناء موزعة في احيائها الكثيرة التي نمت وازدحمت في عصورها التاريخية المتعاقبة .
القاهرة الحديثة:
انتقلت القاهرة من حياة العصور الوسطي إلي الاتصال بالحضارة الأوروبية من خلال الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 ثم في إطار بناء دولة عصرية حديثة في مصر بدءاً من عام 1805 . وقد شهدت القاهرة في هذه الفترة مرحلة جديدة فى عمارتها وأعيد تخطيطها من جديد لتتمشي مع الحياة الحديثة .