القاهرة والجيزةالقاهرة مدينة عربية ذات مكانة بارزة بين مدن العالم ،أنها بالغة القدم في عمر الحضارة الإنسانية وتشغل موقعاً فريداً أدى إلي التبادل والتأثير مع الحضارات الأخري كما كانت ولا تزال ملتقي للثقافة العربية والإسلامية، وإلي جانب المدينة القديمة بأمجاد الماضي قامت القاهرة الحديثة تعبر عن النهضة الهائلة التي تشهدها عاصمة مصر علي يد الإنسان المصري .
إن لمدينة القاهرة سحرها وجلالها الذي يشيع في الإنسان إحساساً عميقاً بتواصل مسيرة الإنسان وفخره بهذا التراث العريق الشاهد علي حضارات عدة. إن كل مكان فيها يحمل أثراً لواحد من عصور التاريخ حتى تكاد تكون المدينة الوحيدة في العالم التي توجد بها آثار لأربع حضارات هي: الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية – وهي تحتويهم جميعاً في بوتقة واحدة فريدة في تعددها ووحدتها في نفس الوقت .
القاهرة الفرعونية:
للقاهرة عبر التاريخ شخصيتها المنفردة وطابعها الخاص فهى كيان بشري وعمرانى يتدفق دائماً بالحركة والحياة ويرجع تاريخ موقع هذه المدينة إلي ما قبل ظهور اسم القاهرة نفسه، إن بدايات هذه المدينة تبدأ علي الضفة الغربية للنيل – أقدم بداية للقاهرة – ففي حوالي عام 4225 ق. م قامت أول حدة بين القطرين ( الدلتا – الصعيد ) علي يد سكان الجزء الشرقي من الدلتا الذين اختاروا موقعاً يبعد أميالاً قليلة شمال القاهرة وذلك الموقع هو مدينة "اون" القديمة التي عرفها الإغريق باسم هليوبوليس ويعرفها سكان القاهرة الآن باسم عين شمس .
في هذه المدينة ازدهرت علوم الفلك والطب والهندسة، واصبحت مركزاً هاماً من مراكز الديانات القديمة كما نمت ثورة المعرفة علي ضفاف النيل فاستطاع المصريون التوصل إلي ربط قوانين الظواهر الطبيعية وخلال عمليات الزراعة توصلوا إلي انشاء التقويم الشمسي الزراعي الذي يقسم السنة إلي فصولها الأربعة وايامها وضبط مواقيتها ومواقيت الزراعة بدقة بالغة .
عندما استطاع "مينا" حاكم مصر العليا انشاء وحدة راسخة ووحد القطرين واستمر ذلك حتى يومنا هذا عبر خمسة ألاف سنة تقريباً، أنشأ مينا عاصمة جديدة هي "منف" تقع علي مسافة 22 كيلومتراً جنوب القاهرة المعاصرة وكانت معروفة باسم "الجدار الأبيض" حتي القرن السادس والعشرين قبل الميلاد إلي أن أطلق عليها المصريون اسم " من نفر " وهو نفس الاسم الذي حرفه الاغريق فصار "ممفيس" .
توجد في مكان هذه العاصمة القديمة الآن قرية "ميت رهينة" وكان الإغريق يعرفونها باسم " مدينة الألف باب " وبجانبها منطقة سقارة بهرمها المدرج ومدافنها المشهورة، وأخذت العاصمة القديمة في الامتداد علي الشاطئ الشرقي للنيل حتي وصلت إلي موقع حلوان حالياً، وظل موقع "منف" يسيطر طوال العصر الفرعوني وما تلاه من عصور البطالمة والرومان علي طريق القوافل القادمة من وديان الصحراء الشرقية .
تبادلت العواصم القديمة موقع تفرع النيل الذي يمثل القيمة الاستراتيجية للعاصمة، وتعتبر منطقة "حصن بابليون" المعروفة الآن باسم مصر القديمة – من أكثر المناطق دلالة علي ذلك فقد كانت مقراً للجيش الروماني فضلاً عن انه يحتفظ بذكريات المسيحية الأولي في مصر .
القاهرة الإسلامية:
في الوقت الذي دخل فيه العرب مصر بقيادة "عمرو بن العاص" عام 640 م اختار نفس الموقع الاستراتيجي والحضاري القائم عند تفرع النيل إلي دلتاه حيث أسس العاصمة الإسلامية العربية الأولي "الفسطاط" في المكان الفسيح الذي يقع إلي الشمال من حصن بابليون .. وهو موقع له أهميته من الناحية الحربية والعمرانية .. وأقام "عمرو أبن العاص" في وسط مدينة الفسطاط مسجده العتيق وهو يعد أول مسجد يؤسس ليس في مصر فقط بل في أفريقيا كلها .
أسس العباسيون مركزاً أخر لدولتهم يقع في الشمال الشرقي من الفسطاط وسميت "العسكر" في عام 751 م وبمرور الأيام اتصلت العسكر بالفسطاط وأصبحت مدينة كبيرة .
أسس "أحمد بن طولون" في عصر الطولونيين مدينة "القطائع" عام 870 م في الجانب الشمالي من "العسكر" وأقام في وسطها مسجداً جامعاً يعد من أكبر مساجد العالم الإسلامي وأروعها وقد كانت مدينة القطائع مقسمة إلي خطط أو قطائع تضم كل قطعة منها جماعة من السكان تربط بينهم رابطة الجنس والعمل.
أسس جوهر الصقلي مدينة القاهرة عام 969 م – 358 هـ وبني حولها سوراً علي شكل مربع، طول كل ضلع من أضلاعه 1200 ياردة بمساحة 340 فداناً وبني في وسط هذه المساحة قصراً كبيراً بلغت مساحته 70 فداناً وقد اتسعت هذه المدينة شيئاً فشيئاً ونمت نمواً ملحوظاً وتبوأت مكانتها المرموقة في ظل الخلفاء الفاطميون واتصلت مبانيها بمباني المدن الإسلامية الثلاث السابقة (الفسطاط – العسكر – القطائع) وصارت تؤلف معاً أكبر المدن الإسلامية في العصور الوسطي .. وأصبحت القاهرة من أهم مراكز الإشعاع الثقافي في ذلك الوقت وتم إنشاء "دار الحكمة" ودار للكتب في قصر الخلافة تعد من أضخم ما عرف في العصر الوسيط وأقام الفاطميون أيضاً الجامع الأزهر وهو أول عمل فني معماري لا يزال قائماً حتي اليوم وأصبح ذا شهرة عالمية ويحتل مركزاً مرموقاً في العالم الإسلامي .
سرعان ما تزعمت القاهرة قيادة العالم الإسلامي في عصر صلاح الدين الأيوبي فقد كانت الدرع الواقية للعرب والإسلام اذ وقع عليها العبء الأكبر في اخراج الصليبيين من المشرق العربي .. وقد أحاط صلاح الدين عواصم مصر الإسلامية الأربع السابقة وكذا قلعة الجبل التي بناها لحماية القاهرة بسور واحد يمتد من قاهرة الفاطميين شمالاً إلي منطقة اثر النبي جنوب مدينة الفسطاط ولا تزال اجزاء كثيرة منه باقية حتى اليوم .. وقد اتخذت القلعة منذ عهد صلاح الدين داراً للملك حتى عصر الخديوي إسماعيل حين نقل مقر الحكم إلي قصر عابدين .
بهرت القاهرة الأتراك العثمانيين عندما دخلوها عام 1517 م بسبب ما كانت عليه من عمران متسع ومنشآت معمارية كثيرة العدد فخمة البناء موزعة في احيائها الكثيرة التي نمت وازدحمت في عصورها التاريخية المتعاقبة .
القاهرة الحديثة:
انتقلت القاهرة من حياة العصور الوسطي إلي الاتصال بالحضارة الأوروبية من خلال الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 ثم في إطار بناء دولة عصرية حديثة في مصر بدءاً من عام 1805 . وقد شهدت القاهرة في هذه الفترة مرحلة جديدة فى عمارتها وأعيد تخطيطها من جديد لتتمشي مع الحياة الحديثة .
معالم القاهرة:
المعالم الفرعونية:
الأهرامات: في غرب القاهرة توجد الأهرامات الثلاثة الثابتة الشامخة التي ترجع إلي القرن الثامن والعشرين ق . م والتي أثبتت التفوق الهائل للقدماء المصريين في فن العمارة وعلوم الهندسة والطب والتحنيط وغيرها .
الهرم الأكبر "خوفو":
أحد عجائب الدنيا ويبلغ ارتفاعه 137 متراً اقيم علي مساحة 13 فداناً طول كل ضلع من أضلاعه 226.5 متر، يحتوي علي ما يقرب من 2.300.000 قطعة حجر جيرى تزن كل قطعة ما بين 2.5 إلي 15 طناً .
الهرم الثاني "خفرع":
ارتفاعه الحالي 135 متراً، طول كل ضلع من أضلاعه 212 متراً .
الهرم الثالث " منقرع ":
يقع جنوب غربي هرم خفرع ، يبلغ ارتفاعه 61.5 متر وهو مبنى بالحجر الجيري، يشغل مساحة أقل من ربع مساحة هرم خوفو، يبلغ طول كل ضلع من اضلاعه 108 أمتار .
تمثال أبي الهول :
من أعظم وأشهر الآثار المصرية القديمة وكان يعرف عند قدماء المصريين باسم "حور مخيس" وهو قطعة كبيرة من صخرة هضبة الأهرام وقد نحت علي شكل جسم أسد ورأس انسان ليعطي رمزاً للقوة والحكمة وطوله 70 متراً وعرضه 15 متراً .
توجد في موقع أبي الهول لوحتان شهيرتان حفرت عليهما نقوشاً، الأولي لوحة "تحتمس الرابع" الموجودة بين يدي أبي الهول نفسه وقد دون عليها الملك تحتمس الرابع قصته مع أبي الهول .. أما اللوحة الثانية فهي لوحة "امنحوتب الثاني" الموجودة في المعبد الصغير الواقع شمال شرقي التمثال .
آثار سقارة:
هي جبانة مصر القديمة وتقع علي الضفة الغربية للنيل في مواجهة عاصمة الدولة القديمة "منف" واشتق اسم سقارة من اسم "سوكر" احد الهة الجبانة، ويمتد موقعها علي منطقة صحراوية بطول 7 كيلومترات إلي الجنوب وبعرض يقرب من 500 متر إلي 1500 متر من الشرق إلي الغرب ومن أهم آثار هذه المنطقة هرم زوسر واوناس .
الهرم المدرج "هرم زوسر":
أقدم بناء حجري في العالم وضع تصميمه المهندس الفنان الشهير "امحتب" طبيب الملك زوسر مؤسس الأسرة في نهاية القرن 28 ق . م ليكون مقبرة للملك، يبلغ طوله 240 متراً من الشرق إلي الغرب، 118 متراً من الشمال إلي الجنوب ودرجات المدرج تتكون من ست درجات من البناء الضخم وبارتفاع 60 متراً .
هرم اوناس:
يقع جنوب الهرم المدرج، شيد ليصبح مقبرة الملك "اوناس" أخر ملوك الأسرة الخامسة تغطي حجرات الهرم بنقوش هيروغليفية وتسمي "نصوص الاهرام" وتعتبر جزءاً من أول وثيقة دينية في العالم .
منطقة آثار ميت رهينة:
تعتبر هذه المنطقة البقية الباقية من العاصمة القديمة "منف"، اصل اسمها بالهيروغليفية "من نفر" اي النصب الجميل او المدينة ذات الجدار الأبيض، وقد حرف الاغريق هذا الاسم فصار "ممفيس".
ومن اهم الاثار الموجودة بهذه المنطقة:
* تمثال رمسيس الثاني، وهو من الحجر الجيري وزنه حوالي 100 طن وطوله 11 متراً .
* تمثال أبي الهول المرمري، وهو من الدولة الحديثة علي شكل ابي الهول طوله ثمانية امتار ووزنه حوالي 80 طناً .
* معبد تحنيط العجل ابيس .
* مقبرة سيشنق .
* ثالوث ممفيس من الجرانيت .
* معبد رمسيس الثاني .
* معبد بتاح .
* مقصورة تي الأول .
منطقة آثار دهشور :
هي علي بعد حوالي 10 كيلومترات جنوب سقارة وتوجد بها مجموعة من الاهرامات اهمها هو هرم دهشور الشمالي ويبلغ طول الضلع في قاعدته 220 متراً وارتفاعه 99 متراً .
يوجد بالمنطقة ايضاً الهرم المنحني للملك "سنفرو" وهرم "سنوسرت الثالث" وهرم امنمحات الثالث من الدولة الوسطي .
المعالم المسيحية:
حظيت القاهرة بجانب كبير من الإبداع المسيحي عندما دخلت المسيحية مصر وكان لها علي أرض مصر ذكريات وآثار – وخاصة من منطقة مصر القديمة في جنوب القاهرة حيث توجد كنيسة "ابو سرجة" التي تحكي قصة التجاء السيدة مريم العذراء والسيد المسيح إلي مصر لتحمي المسيح من انتقام هيرودوس .
كنيسة "ابي سرجة":
يرجع تاريخ هذه الكنيسة إلي القرن الرابع الميلادي وشيدت في وسط حصن بابليون الروماني الشهير علي الطراز البازيليكي وتتكون من صحن يحيط به جناحان، ويحد البهو اثنا عشر عموداً تزدان بصور لتلاميذ السيد المسيح، وكما يوجد بها عدد من الايقونات النفيسة كذلك يوجد بها كهف وبئر .
الكنيسة المعلقة:
سميت بهذا الاسم لأنها بنيت علي البرج الجنوبي لحصن بابليون، تم بناؤها في أواخر القرن الرابع الميلادي – تتكون من صحن يحيط به جناحان ودهليز تفصل بينها أعمدة رخامية، يوجد بها الايقونات ترجع لعصور المسيحية الأولي، من اهم الآثار التي توجد بالكنيسة تلك الكتلة الخشبية المنقوشة للسيد المسيح وهو يدخل منتصراً إلي القدس .
كنيسة العذراء :
بنيت هذه الكنيسة داخل أسوار حصن بابليون في القرن الثامن الميلادي علي الطراز البازيليكي، تتميز بطابع فريد من ناحية التصميم حيث يظهر في المشربية والمنارة القصيرة الموجودة في الواجهة الخارجية للكنيسة كما يوجد بها بعض الايقونات الثمينة .