Ahmed Zakarya عـضـو ذهبي
عدد الرسائل : 330 العمر : 39 الموقع : www.azakaria.tk تاريخ التسجيل : 26/11/2007
| موضوع: مسلمو أوربا.. النهوض بالأوقاف خيار أساسي السبت ديسمبر 29, 2007 2:32 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
مسلمو أوربا.. النهوض بالأوقاف خيار أساسي
تزايدت القناعة بأهمية القطاع الوقفي، بل بضرورته، بالنسبة للأقليات المسلمة ولمسلمي أوربا أيضا. وجاء انعقاد مؤتمر في مدينة برمنجهام البريطانية من 20 إلى 22 آذار (مارس) 2006، وشارك في أعماله عشرات الباحثين والخبراء من المسلمين وغير المسلمين، من عموم أوربا، وأمريكا الشمالية وأنحاء العالم الإسلامي؛ ليؤكد اتساع الاهتمام باستئناف التجربة الوقفية الإسلامية في القارة الأوربية، وتزايد القناعة بأهمية ذلك.
وفي المؤتمر، وهو الأول من نوعه الذي ينعقد لبحث واقع الأوقاف الإسلامية في عموم أوربا وآفاقها المستقبلة، أكد باحث متخصص في شئون مسلمي أوربا أن تطوير تجارب وقفية كفؤة ولائقة بمتطلبات الحاضر والمستقبل يمثل خيارا لا غنى عنه للمسلمين في البلدان الأوربية، بل هو ضرورة ملحة يستتبع غيابها تعطيلا وخيم العواقب في مجالات شتى.
وقد نظمت المؤتمر المنعقد مؤخرا مؤسسة "الوقف الأوربي" بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، وحضره مسئولون وخبراء من أوربا والغرب والعالم الإسلامي، علاوة على مسئولين بريطانيين.
وجاء في دراسة قدمها في المؤتمر الباحث حسام شاكر، المقيم في فيينا الخبير في الشئون الأوربية وشئون مسلمي أوربا، أن الأوقاف تمثل دعامة مادية مستقرة، وأن العلاقة بين استقرار الوجود المسلم في أوربا وتنامي المنظومة الوقفية لهذا الوجود هي علاقة جدلية متبادلة.
وتوقف حسام شاكر عبر التناول التحليلي على عدد من الصعوبات التي رأى أنها تعترض التجربة الوقفية للمسلمين في القارة الأوربية، آخذا بعين الاعتبار تلك التباينات التي تبدو عميقة أحيانًا، بين واقع بلد أو إقليم أوربي وآخر، وبخاصة بين غربيّ أوربا وشرقيِّها.
صعوبات اعترضت التجربة الوقفية
حدّد شاكر، باستفاضة، جملة من الصعوبات ضمن ما واجهته أو تواجهه التجربة الوقفية لمسلمي أوربا. من ذلك: "افتقار الأقليات المسلمة في أوربا، إجمالاً، إلى منسوب الوعي الكافي بأهمية إقامة أوقاف خاصة بها، سواء تعلق الأمر بطابع السلوك الإنفاقي الخيري للمسلمين في أوربا والذي ما زال يتركز على أوجه الإنفاق وكيفياته التي تبدو إلى حد كبير تقليدية؛ أو تعلق بمدى الدراية بفرص إقامة أوقاف إسلامية خارج (دار الإسلام)، من باب الإلمام بإمكانية استيعاب البيئة التشريعية والاقتصادية في البلدان الأوربية لذلك وطبيعته".
وفي مجال استعراضه للصعوبات رصد شاكر "منحى التشكل السريع للوجود المسلم في أوربا في وقت قياسي (بخاصة في غربي أوربا ووسطها)، بصورة لم تسمح بأن يواكبها نشوء أطر مؤسسية مستقرة بعامة، أو تجارب وقفية على وجه الخصوص، بالسرعة ذاتها".
ومن الصعوبات الأخرى التي رصدها الباحث؛ "تباين المنظومة التشريعية التي تنظم قطاع الأوقاف بين بلدان أوربا، وهو ما من شأنه أن يتسبب ببعض الصعوبات فيما يتعلق بآفاق التواصل بين التجارب الوقفية لمسلمي أوربا بين بلد وآخر، علاوة على ما يضعه ذلك من إشكاليات بالنسبة لإمكانيات توسع المؤسسات الوقفية خارج حدود الدولة القُطرية الواحدة، حتى في عهد الوحدة الأوربية".
صعوبات البنية المؤسسية
وربط شاكر ضعف التجربة الوقفية لمسلمي أوربا بعامل آخر؛ هو "عدم نضوج البنية المؤسسية للوجود المسلم في أوربا بعد بالشكل المتكامل والتخصصي، رغم كافة الإرهاصات الملموسة في غضون الأعوام القليلة الماضية والتي تنبئ بحالة نضوج قيد التشكل في هذا الاتجاه في عدد من البلدان والأقاليم الأوربية"، مشدّدًا على أنه "كلما كانت البيئة المؤسسية للمسلمين في بلد أوربي ما أكثر نضوجًا كانت التجربة الوقفية فيه أكثر عمقًا واتساعًا و/ أو أوفر فرصًا للنهوض في الحاضر والمستقبل"، وفق تقديره.
وقال حسام شاكر: "إن فهم جانب إضافي من الصعوبات التي تحكم التجارب الوقفية لمسلمي أوربا، يمكن ملاحظته عبر ارتباط ذلك، بدرجة ما، بملف الاعتراف الرسمي بالشخصية القانونية للطائفة/ الأقلية المسلمة في البلدان الأوربية، والطبيعة القانونية التي تحكم التعامل مع الدين الإسلامي، وكذلك تمثيل المسلمين، بحسب كل بلد أوربي".
ولاحظ حسام شاكر انعكاس السلوك الإنفاقي لمسلمي أوربا على تجربتهم الوقفية، مشيرًا مثلاً إلى اعتياد قطاعات واسعة من مسلمي أوربا على توجيه جانب هام من إنفاقهم واستثماراتهم خارج أوربا، رابطًا ذلك جزئيًّا بغلبة "ثقافة الهجرة" أحيانًا، على حساب ثقافة الاستقرار والتوطّن.
وأشار شاكر إلى صعوبات أخرى ترتبط بافتقار واقع المسلمين في أوربا، إلى ما يشبه نماذج "السلطة الشرعية" المألوفة في العالم الإسلامي في الماضي والحاضر؛ كالقضاء الشرعي، والمحاكم الشرعية، والوزارات والهيئات المعنية بالأوقاف.
تحديات الحاضر والمستقبل
وبعد استعراضه للصعوبات قال حسام شاكر: "إن التجارب الوقفية للمسلمين في البلدان الأوربية تواجه عددًا من التحديات في الوقت الحاضر، وهي بانتظار تحديات عدة في المستقبل أيضًا".
ومن أبرز هذه التحديات تحدي استقرار الوجود المسلم في أوربا واندماجه الإيجابي في النسيج العام للبلدان والمجتمعات الأوربية، معتبرًا أن ذلك يتصل بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، بفرص قيام قطاع وقفي إسلامي ناهض. ولفت شاكر الانتباه إلى أن "مفهوم الاستقرار لا يقتصر على واقع المكوث المجرد في أوربا، بل على إرادة البقاء والتأسيس لمستقبل أفضل والشروع في ذلك بخطى واثقة".
وتابع قوله "أما الاندماج الإيجابي في النسيج العام للبلدان والمجتمعات الأوروبية فهو يشير إلى الحضور في قطاعات المجتمع وتجاوز مخاطر العزلة والتقوقع من جانب أو الإقصاء والتهميش من جانب آخر. ويقتضي ذلك، ضمن مستلزمات أخرى المضي في تجاوز ذلك "السقف الزجاجي" أو العوائق غير المرئية مباشرة والتي تبدو منيعة أحيانًا بما يَحُدّ من فرص الأقليات و"أبناء المهاجرين" في الارتقاء في السلّم الاجتماعي والاقتصادي والوظيفي".
وسرد شاكر جملة من التحديات الأخرى، كتحدي "الشرعية القانونية" للأطر والمؤسسات والمنشآت الوقفية لمسلمي أوربا والذي رآه مرتبطًا أساسًا بالتباين بين البيئات التشريعية الأوروبية من جانب التفاوت فيما بينها في أشكال تنظيمها للقطاع الوقفي بعامة، أو التباين في ما بينها في مدى إتاحتها المجال لنضوج قطاع وقفي إسلامي.
الأوقاف الإسلامية وتحدي المأسسة والتطوير
ومن جانب آخر؛ تحدث الباحث حسام شاكر عن تحدي المأسسة والتحديث في أوساط المسلمين في أوربا وفي تجاربهم الوقفية على وجه الخصوص. وفي السياق؛ أشار شاكر إلى أهمية الاستشعار المتزايد لضرورة تطوير شبكة الخدمات المؤسسية الخاصة بالمسلمين في أوربا، دينيًّا واجتماعيًّا وتعليميًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا، بما يستدعي الاعتماد المتزايد على القطاع الوقفي وتطويره.
وتطرّق حسام شاكر إلى تحدِّي تطوير موارد المعلومات والدراسات عن الشأن الوقفي الإسلامي في أوربا، مؤكدًا أن "نهوضًا فعليًّا وجادًّا لا يمكنه، وفق معطيات العصر وحسب خصائص البيئة الأوربية أيضًا؛ أن يتأتى بمعزل عن توفر موارد معلومات كفؤة وأرضية دراسات وأبحاث فعَّالة تلبي متطلبات القطاع الوقفي وتستجيب لاحتياجات تطويره المستمر"، وقال من حكم المؤكد أن تطور التجربة الوقفية لمسلمي أوربا؛ يبقى مرتهنًا، بدرجة ما، لمدى معالجة القصور المعلوماتي هذا".
استشراف مستقبل التجربة
ثم عمد حسام شاكر إلى رسم معالم تقديرات مستقبلية، بشأن مآلات التجربة الوقفية للمسلمين في أوربا. فأورد مثلاً أنه من المتوقع أن ينعكس تجذر الوجود المسلم في أوربا الغربيّة والوسطى على الاتجاه المتنامي من جانب الأقليات المسلمة لإقامة مؤسسات وقفية تلبي احتياجاتها. إلا أن ذلك التجذّر لا يفترض نجاح نموذج الاندماج الإيجابي من عدمه.
كما استشرف حسام شاكر اتجاهًا عامًّا للنهوض بالقطاع الوقفي الإسلامي في أوربا؛ إذ "يُرجّح أن ينعكس استشعار الأقليات المسلمة في أوربا، لحاجتها إلى شبكة فعالة من الخدمات الدينية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والإعلامية؛ على توجهها لتطوير القطاع الوقفي، باعتباره مدخلاً مُجديًا للنهوض بهذه الخدمات، ويؤمل من خلاله تحرِّي الاستمرارية والاستقرار"، متوقِّعًا أن يسعى المسلمون في غربي أوربا ووسطها للنهوض بتجربتهم الوقفية التي تقوم أساسًا على المواءمة بين نظام الوقف الإسلامي وخصوصيات البيئة التشريعية والاقتصادية والاجتماعية الأوربية.
لكن حسام شاكر توقّع نشوء إشكاليات متزايدة في التحديد والتعريف في القطاع الوقفي الإسلامي في أوربا، مشيرًا إلى أن "خصوصية البيئة/ البيئات الأوربية ستجعل من غير المستبعد نشوء إشكاليات مرتبطة بتعريف الأوقاف الإسلامية في أوربا، على ضوء التباينات الملموسة بين بلد/ إقليم أوربي وآخر في ما يتعلق بالبيئة التشريعية والاقتصادية ذات الصلة بالشأن الوقفي، ومع ملاحظة مدى توافق ذلك أو لا توافقه مع الخصوصية الوقفية الإسلامية". وقال مضيفًا "من المتوقع أن يطرأ ذلك بشكل متزايد في الوقت الذي سيلجأ فيه مسلمو أوربا للمواءمة بين نظام الوقف الإسلامي وخصوصيّات البيئة التشريعية والاقتصادية الأوروبية، وهي مهمة لا تبدو مضمونة أو متيسِّرة دومًا. كما أن ذلك قد يحدث بمفعول أية ثغرات في النظام القانوني والاقتصادي المعمول به بين بلد أوروبي وآخر، وعبر التعديلات المستمرة التي يمكن أن تطرأ عليه". لكنه استبعد مع ذلك أن تعرقل هذه الإشكاليات النمو المتزايد للقطاع الوقفي الإسلامي في أوربا، بل إنها قد تتيح له صورًا جديدة للتشكّل سينشغل بتقويمها العلماء والمختصّون، حسب تقديره.
الأوقاف الإسلامية خيار يقدم حلولاً
يرجِّح حسام شاكر أن تتزايد القناعة بأن معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في صفوف بعض قطاعات المسلمين في أوربا، وفي أوساط ما تُوصف بمجتمعات "المهاجرين"؛ لا يمكن أن يتمّ على النحو الأمثل بمنأى عن إتاحة الفرص لإطلاق مبادرات ذاتية من داخل هذه القطاعات؛ وقال "لا شك أن النهوض بالقطاع الوقفي الإسلامي، بما يتيحه من فرص وآفاق؛ إنما يمثل في هذا السياق أحد الخيارات المُجدية والقابلة للتطوير".
وفي سياق استشرافه للمستقبل أيضًا لم يستبعد شاكر أن يترك ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي بعض الانعكاسات، ولو كانت محدودة أو غير مباشرة؛ على ملف الأوقاف الإسلامية في أوربا، ضمن جملة من الانعكاسات التي قد يتركها على بعض أوجه الوجود الإسلامي في أوربا.
أما بشأن ملف الأوقاف الإسلامية في شرقي أوربا؛ فقد أوضح أنه من الصعب توقّع المآلات التي ستفضي إليها القضايا المتعلقة باستعادة الأوقاف الإسلامية، المسلوبة أو المُصادَرة أو المطموسة، لكن يُفترض أن تحقق هذه الجهود نجاحات جزئية على الأقل، وهو ما سيعني إنعاشًا هامًّا للقطاع الوقفي الإسلامي في هذه البلدان، بما ينبغي أن يعود بمكاسب متعددة على الأوضاع الاجتماعية والثقافية والدينية للمسلمين فيها.
وفي ختام دراسته؛ أورد حسام شاكر جملة من المتطلبات العملية والتفصيلية اللازمة للنهوض بالقطاع الوقفي الإسلامي في أوربا، وهي تتوزع على مجال عدة، منها ما يتعلق بموارد المعلومات والدراسات، ومنها ما يختص بمجال التواصل والتنسيق ضمن القطاع الوقفي، وكذلك في ما يتعلق بالاستثمار الوقفي. كما ساق متطلبات أخرى تتعلق بتطوير التجارب الوقفية الإسلامية في أوربا، وكذلك فيما يختص بالجانب النظري والشرعي لملف الأوقاف، علاوة على ما يتصل بالبيئتين التشريعية والتنفيذية في أوربا.
| |
|